خط الفقر والعنف الاقتصادي ضد المرأة العربية

 

تباهي مؤسسة التأمين الوطني ووزارة المالية بانخفاض نسبة الفقراء في الدولة، ما هي إلا مسرحية إعلامية أشادت بها هذه المؤسسات الإسرائيلية. لتعطي أهمية إعلامية للتقرير ولتسليط الضوء على  انخفاض طفيف 0.7%  في خط الفقر التي عرضت التقرير وصورته كانجاز. بينما همشت  المعلومات حول الفقر وعدد العائلات التي تعيش تحت هذا الخط التي يصل عددها إلى 433.300 عائلة. وليس جديداً علينا أنه في كل عرض لتقرير أو بحث تشدد أو تهمل مؤسسة التأمين أي نسبة لا تلائم تطلعها أو هدفها في هذه المرحلة.

دعونا لا ننسى مساعي الدولة في الدخول إلى منظمة التعاون والتنمية  OECD . والتي اشترطت الأخيرة بدورها على دولة إسرائيل تطوير اقتصادها ورفع نسبة المشتركين في سوق العمل من النساء العربيات واليهود المتدينين. ورغم أن التقرير لم يتعامل مع هاتين الفئتين.  وإنما شدد على الانخفاض الحاصل بنسبة الفقر.

 

تقرير الفقر الأخير لم يعرض بعض الإحصائيات الهامة عن مواطنين الذين يحيون تحت خط الفقر:

  •       53.3% من العائلات العربية تعيش تحت خط الفقر
  •        6 من  10 اطفال عرب يحيون تحت خط الفقر.

 ومن تابع وزير المالية في تعقيب له حول التقرير الذي ما لبث أن بدأ يشيد في تعقيبه بإنجازات التقرير متجاهلاً نسبة العائلات العربية التي تعيش تحت خطر الفقر، دون أن يشير لأية خطة حكومية أو وزارية من شأنها التأثير والتقليص من هذه النسبة.

بالرغم من أن الحكومة "تخطط لبرامج واسعة" لاستيعاب النساء العربيات في سوق العمل، لنجدها في نهاية المطاف خطط تكتب لتبقى حبر علة ورق، فما تمارسه الحكومة فعلا ما هو إلا تطبيق لسياسة الجهل والتجهيل في هذه الدولة، ويبقى التعامل مع المجتمع العربي والخاصية التي يعاني منها هو تعامل فوقي من قبل واضعي هذه الخطط.

لأنها بمفهومها العام تتعامل مع الجماهير العربية على أساس تذنيب الضحية، المجتمع العربي يعاني من بطالة عالية في صفوفه وخاصة النساء الضحية الأكبر والتي تتكبد بخسائر فادحة لخزينة الدولة ولاقتصادها العام بما يعادل 40 مليارد شاقل. ويستمر التذنيب وكأن المعيقات أمام 80% من النساء العربيات غير العاملات بإيعازه إلى أسباب اجتماعية تربوية منها أن: سنوات التعليم المنخفضة، صعوبة تقبل خروج المرأة للعمل وترك بيتها، فيما اقتصر تركيز الخطط على فتح حضانات وعرض تأهيل مهني هزيل .

الواقع يدحض الادعاء: واقع النساء في الحقل والذي نعيشه ونسمعه كل اليوم من خلال عملنا في مشروع النساء والعمل في جمعية نساء ضد العنف يؤكد مرة أخرى على إقصاء المرأة العربية من الانخراط في سوق العمل وعلى تخاذل الدولة في خلق فرص عمل للنساء العربيات في مناطق سكناهن القريبة. فمن غير المعقول أن تسافر المرأة المحامية من منطقة المثلث كل يوم الساعة السابعة صباحا متجهه إلى عملها في مدينة القدس لعود إلى بيتها وبلدتها في الثامنة والنصف مساءً،  ونرى الحافلات المنظمة يوميا للمعلمات من بلدات الشمال  (اكسال، ام الفحم، كفرقرع...وغيرها) للتعليم في النقبـ وأخرى الصيدلانية من كفركنا تخرج للعمل في تل ابيب كل يوم في ساعات الصباح الباكر لتعود إلى طفلتها ابنة الثمانية شهور منهكة من ساعات العمل والسفر الطويلة.

ثلاثة عشر ساعة متواصلة تلزم المرأة العربية الأكاديمية من أجل الانخراط في سوق العمل وهو ما نسميه العنف الاقتصادي الذي تعاني منه النساء العربيات في ظل سياسة التمييز والعنصرية. العنف الاقتصادي هو السلطة الكاملة للرجل على الدخل من منطلق التهديد والخوف وعدم سيطرة المرأة على أجرها من عملها خارج البيت خوفا من أي تعامل سيئ أو ردة فعل عنيفة من قبل الزوج. وكي لا افهم خطأ أنا لا ارفض التواصل بين مجتمعنا بل على العكس أشجع على هذا الدمج والتواصل في ظل هذه الظروف الاقتصادية والمجتمعية الصعبة. ولكن من غير المعقول أن يكون هذا الحل الوحيد للمعلمات من الشمال لتضمن لقمة العيش والحياة الكريمة وحقها في تحقيق ذاتها في شهادتها الأكاديمية التي طمحت واجتهدت أكثر من أربع سنوات للحصول عليها ليس لتعليقها على الحائط في بيتها منتظرة فرصة تعيين من قبل وزارة التربية والتعليم بعد عشر سنوات. لتتنازل للعمل في وظيفة لا تلائم شهادتها وقدراتها المهنية والأكاديمية.

هذه القضايا وغيرها الكثير من القضايا اليومية التي تعاني منها النساء العربيات في البحث عن لقمة العيش رغم إن الفرضيات في كل العالم أثبتت أنه كلما زادت سنوات تعليم زادت فرص العمل لكن للأسف حتى هذه الفرضية لم تثبت نفسها في ظل هذه السياسات العنصرية .

 

صادف الخامس والعشرين من تشرين الثاني اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد النساء وخلاله تطرقت الكثير من الكتابات والإحصائيات إلى قضية العنف التي تعاني منه النساء العربيات في دولة إسرائيل.

ولهذا وددت في مقالي هذا الحديث عن واحد من أشكال العنف الذي تعاني منه النساء العربيات، العنف   الاقتصادي لرفع صوت النساء العربيات اللواتي يحاولن جاهدات اختراق الحواجز الاجتماعية، الاقتصادية والسياسية والتي تشكل عائق أما المرأة في بناء استقلال اقتصادي يعيلها وعائلتها. وعدم التعامل معها كمعيل ثانوي في البيت.

نشهد في دولة إسرائيل اقتصاديين: واحد للمجتمع اليهودي مستقل ومتطور، والأخر للمجتمع العربي وهو الذي يرتبط بشكل كامل في الاقتصاد الأول. وبطبيعة الحال لهذا الارتباط سيئات كثيرة منها ربط السياسية بالاقتصاد فأي تحرك سياسي أو أي نضال سياسي نلحظ الردة الاقتصادية في بلداتنا العربية، إن صعوبة اندماج العرب في السوق الإسرائيلي العام يشكل المحور الأساسي في العنف الاقتصادي، بمعنى أخر ارتباط الاقتصاد العربي باليهودي هو تعامل "العصا والجزرة".

السيطرة على الاقتصاد العربي في الدولة هو عنف اقتصادي موجه ضد الأقلية العربية في البلاد وسيطرة الرجل في العمل على لقمة العيش وحجب شروط العمل الأساسية للنساء هو عنف اقتصادي موجه ضد المرأة العربية التي تشكل 51% من الأقلية العربية.

 ورغم أن المقال تعامل مع النساء الأكاديميات إلا أن هذا لا يلغي الصعوبة التي تواجهها النساء غير الحاصلات على شهادة أكاديمية لاختراق سوق العمل، التي لا تكمن  فقط في عدم اختراق سوق العمل الإسرائيلي لأسباب اللغة أو التأهيل الخاص. ليأتي استغلال القطاع الخاص والعام للنساء غير المؤهلات بشهادة أكاديمية في الأجر المتدني وشروط العمل الصعبة. مما يتركها بدون سند أمام صعوبة الحياة. فامرأة باجر اقل من الحد الأدنى للأجر هي أيضا امرأة تحت خط الفقر ومعنفة اقتصاديا.

نحن لا ننتظر المظاهرات التي تنادي بالعدالة الاجتماعية فقط، نحن نطالب بلقمة العيش والعيش الكريم للنساء العربيات. مطالبات كل الجهات الرسمية وغير الرسمية العمل على تطوير أماكن عمل ملائمة للنساء العربيات مكترثة باحتياجاتهن، قريبة من سكناهم، فكما اجتهدت الوزارات واضعة السياسة وأقرت على رفع نسبة النساء اليهوديات المتدينات وخلقت لهن فرص عمل نطالبهن اليوم باستيعاب النساء العربيات ودمجهن في سوق العمل.