من تهديد إلى تحدي
على الرغم من الوضعية الصعبة والتمييز اللاحق بالمرأة العربية داخل المجتمع العربي وخارجه، ألا أنه بالإمكان ملاحظة بعض التغييرات الاجتماعية التي تنعكس في حصول عدد متزايد من النساء العربيات على ألقاب أكاديمية وانخراطهن في سوق العمل، واتساع القاعدة المجتمعية للجمعيات النسائية والنسوية المختلفة.
العنف الجنسي هو ظاهرة اجتماعية أساسها انعدام المساواة بين الجنسين، لذا يرتكز مشروع رفع الوعي على التربية للمساواة والاحترام المتبادل بين الجنسين، ورفع الوعي لقضية الاعتداء الجنسي. لا تلقى هذه المواضيع الترحيب من قبل المجتمع العربي، لكن هنالك أصوات تعلو في الآونة الأخيرة، إن كانت من قبل مؤسسات تربوية أم خدماتيّة اجتماعية، طالبةً يد عون من الجمعيات النسوية للعمل سويةً من أجل تغيير مجتمعي.
في السابق، اعتبر الحديث عن موضوع حساسٍ ومؤلم ٍكهذا تهديداً. أذكر الصعوبات التي مررت بها في بداية طريقي كموجهة مجموعات ومركزة لمشروع رفع الوعي في جمعية نساء ضد العنف، الرفض والإنكار لكل ما يتعلق بقضية الاعتداء الجنسي. مثلاً، رفض أحد مدراء المدارس مناقشة برنامج رفع الوعي لكون الموضوع حساس، لكن بعد ثلاث أعوام، وعندما عاودنا الاتصال بنفس المدرسة قوبل البرنامج بالترحاب، فكما يبدو هنالك صعوبة في التفريق بين التربية الجنسية ورفع الوعي لموضوع الاعتداء الجنسي.
شكك قسمٌ من مدراء المدارس الذين توجهنا إليهم بمضمون البرنامج؛ فبعضهم لم يعِ الفرق بين تربية جنسية وبين اعتداء جنسي، وتمت معاملتنا كمُنتَهِكات ومُهدّدات للهدوء المفترض في المدرسة، حيث اعتقدوا بأننا نفتح أعين الطلاب والطالبات على مواضيع يحظر أن يعلموا بها، فكل ما يتعلق بكلمة "جنس" هو محظور. إلى جانب معارضة المدراء كانت هناك معارضة الأهالي، فالمدارس التي لم تشأ خوض معركة مع الأهالي، استخدموا حقيقة عدم وجود أي تعليمات من وزارة التربية والتعليم تملي بدمج مشروعنا في مدرستهم كعذرٍ لرفضهم دخولنا إلى مدارسهم ولكونهم غير راغبين بخوض مواجهةٍ مع المجتمع.
على ضوء الصعوبات المذكورة أعلاه، قمنا بتطوير برنامج خاص وشموليّ، يتميز بتوجهه لثلاث مجموعات هدف، الأهل، المعلمين والطلاب، بهدف إعطاء الشرعية للمشروع والموضوع، ولتخفيف القلق والخوف الناتج من الحديث عن موضوع حساس كالاعتداء الجنسي. التغيير المجتمعي المتعلق بالقبول الاجتماعي لفكرة المشروع هو نتاج عمل واسع ومُمؤسس مُدمَج بفكر ورؤيا نسويّين. ولهذا، نشهد اليوم ارتفاعاً في عدد التوجهات من المدارس للتعاون والعمل المشترك.
إن ارتفاع عدد التوجهات لمركز مساعدة ضحايا العنف الجنسي والجسدي سنوياً، يحزن من ناحية ولكنه يضفي الأمل في عملنا من ناحية أخرى، إذ أنه يعني أننا نشهد، في المجتمع العربي، تغييرات جدية على المستوى الفرديّ والمجتمعيّ في تناول موضوع الاعتداء الجنسي، حيث تصلنا العديد من التوجهات بعد إجراء ورشات عمل في المدارس ومع مجموعات النساء المختلفة.
تطّور ملفت للانتباه في العامين الأخيرين هو نجاحنا في دمج موجهي مجموعات رجال في العمل مع الجيل الشاب، والذين يشكلون مثالاً جديداً يقتضى به، ويبرزون توجهنا/خطابنا بأن مكافحة العنف هو نضال مجتمعي شامل للنساء والرجال معاً.
يشكل مشروع رفع الوعي ومركز مساعدة ضحايا الاعتداءات الجنسية عنواناً مهنياً للعديد من القضايا التي تخص الاعتداءات الجنسية، ليس فقط للجيل الشاب – فتيان وفتيات- إنما للمهنيين وللأهالي أيضاً. توجهات عديدة لأهالي قلقين من ظواهر معينة في تصرفات أطفالهم، طالبين أجوبةً لأسئلة تتعلق بالاعتداءات الجنسية.
في بحث أجرته د. نادرة شلهوب-كيفوركيان من قسم الحقوق وعلم الإجرام في الجامعة العبرية، بالتعاون مع مركز المساعدة، تبيّن أن %13 من ال- 628 طالبة عربية في أجيال 16-14 اللواتي اشتركن في البحث، كن ضحية لاعتداء جنسي وسفاح قربى. كانت المشاركات طالبات مدرسة، تقريباً جميعهن من سكان المدن ومن أوضاع اقتصادية متوسطة.
لقد اعتمد البحث منهجية متفاعلة، فجُمعت المعطيات خلال ورشات عمل مع الطالبات في مدارس مختلفة في شمال البلاد، حيث هَدِفت ورشات العمل تحديد ما يُعدّ عنفاً أو تحرشاً جنسي، وتعريفهن بالخدمات القائمة في الحقل.
لا تزال ضحايا الاعتداءات الجنسية تُعاملن كمذنبات، على الأقل جزئياً، في ما حل بهن، يعانين من الإذلال والنكران، ويُتهمن بالمس بشرف العائلة، ذي القيمة المحورية في المجتمع العربي، فحتى الاعتداءات الجنسية داخل العائلة يُنظر إليها كعامل بإمكانه حل الرباط العائلي وتفكيكه. المقدرة على الاحتمال والتفهم لدى المجتمع العربي لهؤلاء الفتيات تكاد لا تكون موجودة، بسبب التعتيم والصمت عن الموضوع. فقد احتاج طاقم البحث، المؤلف بأكمله من نساء، لسبل غير اعتيادية من أجل الدخول للمدارس وإجراء البحث، وكل هذا ليكتشف أنه من أجل أن تستطيع الفتيات الإجابة على الأسئلة، عليهن أولاً تعلّم مصطلحات أساسية في الموضوع. لقد استفدنا جداً، في نساء ضد العنف، من البحث ونتائجه في العمل على تطوير وخلق آليات للعمل على موضوع الاعتداءات الجنسية.
ختاماُ، أود التأكيد على أهمية العمل المربوط بالواقع ويهدِفُ للتغيير المجتمعي وحتى لثورة فيما يخص الاعتداءات الجنسية ومكانة النساء بشكل عام، لكنه، في ذات الوقت، يحافظ على العلاقة مع الأجهزة المختلفة بأكبر قدروبأعلى درجة من التعاون.