ما بين نفوذ المعتدي وأزمة الضحية

لقد ظهر لنا رئيس الدولة، السيد موشيه كاتساف، في مواقف "محرجة" في الأشهر الأخيرة، إذ أن تهم  الاغتصاب، التحرش الجنسي والأعمال المشينة تهدد منصبه وحياته السياسية، حيث يعتبر كتساب أول رئيس دولة بالعالم أجمع يتهم بهذه الجرائم الفظيعة، والسؤال الذي يطرح نفسه هو ما الذي يجعل "إنسان" يشغل أعلى وأرقى المناصب في الدولة القيام باستغلال المنصب إرضاءً لنزعاته الشخصية والقيام بإيذاء، إهانة، ابتزاز والاعتداء على كرامة نساء شاء القدر أن يعملن في مكتب رئيس الدولة.
أما الأمر المثير للاستغراب، وهو بحاجة إلى تحقيق مستفيض، هو معرفة الجميع بما كان يدور في جميع الغرف والمكاتب وأروقة بيت الرئيس والوزارات المختلفة التي شغل فيها مناصباً، وتيقن الجميع من عدم جواز الحديث أو التفكير بهذا الموضوع بصوت عالي، بمعنىً آخر، سكوت الجميع على التحرشات والاعتداءات الجنسية من قبل كتساف، والسؤال هو هل اعتبروا الأمر طبيعياً أم كانوا على ثقة بأن الاعتراض ليس من شأنهم؟
جميع العاملين والعاملات في مختلف المناصب (مستشارين/ات، سائقين، مساعدين/ات برلمانيين،موظفين/ات) على علم وإطلاع بما يدور, كلهم يعرفون بأنه في ساعات معينة وأوقات محددة ممنوع فيها الدخول للمكتب، لكن لم يجرؤ أحد على عمل أي شيء، وهنالك من أدلوا بشهادات بأنهم قد رؤوا بأم أعينهم موظفات يخرجن من مكتب كتساف بسرعة وهلع وخوف وبكاء دون الجرأة على الحديث عن هذا الموضوع وهذه الجرائم الخطيرة، والسؤال المحير والبسيط هو - لماذا؟ هل لأن كتساف شخص "مسؤول"؟ هل لكونه رئيس للدولة والشخص رقم واحد في الدولة يمنعهم ويمنعهن عن الحديث؟ هل مورست ضدهم / ضدهن تهديدات مختلفة؟ هل هو الخوف على فقدان الوظيفة أو تشويه السمعة أم ببساطة هو الخوف من إنسان ذو سلطة ومنصب ويملك صلاحيات كبيرة هو السبب؟ أو هل هي اللامبالاة؟؟
 
بعد صمت سنوات عديدة قررت الضحايا الحديث عن الموضوع وكشفه على الملأ، وهن على علم بأن الأمر ليس بالسهل، فمن يصدق امرأة صمتت ثمانية أعوام بعد الحادثة؟ تساؤلات كثيرة وأيضا اتهامات مختلفة ممكن أن توجه للضحية. لم يكن صمت الضحية بالأمر السهل عليها وعلى نفسيتها، فعامل الخوف، الفضيحة، القلق، فقدان مكان العمل وكيفية التعامل معها بعد كشف الموضوع هم بمثابة عوامل مُمَيِّزة لجميع ضحايا الاعتداءات الجنسية كافة، وكم بالحري عندما يكون المعتدي شخص ذي سلطة ونفوذ، كرئيس دولة حالي ووزير سابقاً؛ وبالرغم من جميع الاتهامات والشبهات وتقديم لائحة اتهام ما زال الرئيس واثق من نفسه والادعاء بأنه لم يقم بأي عمل مشين ونفي جميع التهم الموجة إليه، وأيضا بمزاولة عمله والسكن في بيت رئيس الدولة.
 
يمثل موقف أعضاء الكنيست من قضية كتساب، المتأرجح بين الحياد والدعم، مصالح شخصية سياسية وحزبية ضيقة، خاصةً بأن فضح القضية تزامن مع قضية الوزير رامون التي تمحورت بفرض ممارسات جنسية على الضحية وذلك من منطلق القوة والنفوذ الذي يملكهما الوزير رامون، إلا أن تعامل وردة فعل غالبية أعضاء الكنيست كان أكثر تعاطفاً مع رامون وأكثر دبلوماسية مع كتساف.
 
وضعت الفضيحتان أعلاه الكنيست والقضاء الإسرائيلي أمام اختبار جدي، فالمؤسسة التي تفحص وتناقش اقتراحات القوانين لتقوم بسنها لاحقاً، عليها أن تكون أول مؤسسة تحترم هذه القوانين وتبادر إلى تطبيقها على جميع الأصعدة دون اعتبارات شخصية وسياسية، وأن تكون المثل الأعلى الذي يحتذى به لمساواة جميع مواطني الدولة أمام القانون. إن مساواة جميع مواطني الدولة أمام القانون، سواء كانوا مواطنين عاديين أو أصحاب مراكز مرموقة، يعطي فسحة الأمل ويشجع المعتدى عليها على كشف الاعتداءات المختلفة ويجعل عامل الصمت أمر نسبي لكل ضحية.
 
لقد مورست ضد الضحايا العديد من محاولات الإسكات والإخراس، سواء من قبل رئيس الدولة أو من قبل وخلال المقربين له؛ نشير منها إلى تشويه سمعة المشتكية، الضغط عليها لتهريبها إلى خارج البلاد للعمل لدى أحد مقربي رئيس الدولة وغيرها، بكلمات أخرى، أن تتنازل المشتكية عن الدعوى.
تجدر الإشارة هنا بأن الرئيس كتساف قام باستغلال الصحافة رغم هجومه عليها، فقد أتيحت لكتساف المساحة الكافية، بل والأكثر من كافية، لشرح موقفه وحيثيات الموضوع من وجهة نظره ودعم الأمر بشهادات تخدم مصلحته، وذلك من خلال موقعه الرسمي الذي يشغله، حيث أجريت المقابلات الصحفية في ديوان رئيس الدولة بهيئاته المختلفة. لم تتفر هذه المساحة الإعلامية للضحية أو حتى لمحامية دفاعها، مما أدى إلى عدم توازن صارخ في طرح الأمور وحيثياتها كل من مكانه، مما يثبت أن لا مساواة أمام القانون ولا أمام السلطة الرابعة – الصحافة.
 
لا بد من الإشارة أن قضية رئيس الدولة والإجراءات القضائية ضده هي سابقة على نطاق الدولة والعالم أجمع، هذه السابقة أعطت النساء المعتدى عليهن جنسياً واللواتي يتعرضن لمضايقات وتهديدات من قبل مرؤوسيهن وفي أماكن عملهن بأن يقوموا بتقديم الشكوى على "صاحب النفوذ"، لقد أعطت هذه القضية بصورة غير مباشرة الدعم والشرعية للنساء الأخريات بعدم التردد بالكشف عن إهانات وإيذاء يتعرضن له من قبل أي شخص كان، حتى لو كان هذا الشخص هو رئيس الدولة، فانه ممكن أن يدخل قفص الاتهام خاصة بعد استغلال منصبه ليقوم بابتزاز عشرات النساء اللواتي عملن لجانبه.
 
لا بد من الإشارة هن إلى أهمية الدور الريادي الذي خاضته المشتكية "أ" وما زالت تخوضه رغم جميع الصعوبات المتراكمة أمامها، فهي على دراية تامة بصعوبة الأمر إلا أنها قررت عدم الصمت وكشف القضية لوضع حد لهذه الاعتداءات وفتح الباب لأخريات بالخروج والتحدث عن اعتداءات تمارس ضدهن، وذلك لكونهن نساء فقط، يخرجن لممارسة حقهم الطبيعي والأساسي في العمل والحياة بكرامة.
رغم تحفظنا من "الديمقراطية والقضاء الإسرائيلي" وحدودهما إلا أننا نولي هذه السابقة القضائية أهمية كبيرة، ونرى بها عامل مشجع ومساعد لنسائنا العربيات للخروج من صمتهن على الاعتداءات المختلفة الممارسة ضدهن؛ فقد وصلت مركز مساعدة ضحايا العنف الجنسي والجسدي في جمعيتنا العديد بل والكثير من الشكاوي والتوجهات التي تدور في نفس المحور، استغلال الرجال في أماكن العمل والنفوذ المختلفة لنساء وفتيات عربيات، وتكون النتيجة صمت الضحية وذلك خوفاً من الفضيحة وعدم تصديقها، فقدان مكان العمل بالإضافة إلى تهديدات أخرى بتشويه السمعة في مجتمع لا يزال يلقي باللوم على المرأة إن اعتدي عليها.
لقد حاربت المشتكية "أ" في جميع المجالات من أجل عدالة قضيتها رغم أن المعتدي هو رئيس الدولة ولم تتنازل، وهذا ما نريده أن يكون المثل الذي يحتذى به للنساء جميعا وخاصة للنساء العربيات اللواتي نعمل معهن من أجل تحسين ظروف حياة المرأة العربية ونيل حقوقها الأساسية.

هذه هي رسالتنا للنساء العربيات – العار فقط في ما يمارس عليكن ضد رغباتكن، فنحن نتفهم صمتكن ونعلمكن أننا هنا لمساعدتكن على وقف هذه الممارسات