تقرير مركز "مساعده ضحايا العنف الجنسي والجسدي" في جمعية نساء ضد العنف لعام 2024
يُصدر مركز مساعدة ضحايا العنف الجسدي والجنسي في جمعية نساء ضد العنف تقريره السنوي لعام 2024، والذي يستعرض بيانات حول توجهات النساء والفتيات المتضررات من العنف الجسدي والجنسي، حيث تم تسجيل 1027 توجّهًا خلال العام.
العنف ضد النساء ليس مجرد سلوك فردي، بل هو انعكاس لبنية اجتماعية وثقافية وسياسية تعزز أشكالًا مختلفة من العنف والتمييز. تتداخل العوامل السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية والقانونية في خلق بيئة تساهم في استمرار هذه الظاهرة.
في ظل التصاعد المقلق لمعدلات الجريمة والقتل في مجتمعنا، تتفاقم معاناة النساء المعنفات، وهو أمر كنا قد حذرنا منه مسبقًا. فقد أصبحت جرائم العنف المسلح، الجريمة المنظمة، وغياب الأمان واقعًا يوميًا يفرض نفسه بقوة. وفي هذا السياق العنيف، تتعرض النساء لأشكال متعددة من الانتهاكات، بدءًا من العنف الأسري وصولًا إلى القتل، التحرش، والاعتداءات الجنسية.
لا يمكن فصل العنف ضد النساء عن المناخ العام للعنف والجريمة، ما يستوجب حلولًا شاملة تتجاوز المعالجات الفردية، لتشمل تعزيز الأمن، تغيير المفاهيم المجتمعية، وضمان العدالة للناجيات. تواجه النساء تحديات كبيرة عند الإبلاغ عن العنف، وانتشار العنف المجتمعي يمتد أثره إلى داخل المنازل، مما يؤدي إلى تصاعد حالات العنف ضد النساء. وفي بيئة يسودها الخوف والجريمة، يصبح التحدث عن الانتهاكات أو طلب المساعدة أمرًا محفوفًا بالمخاطر، حيث تواجه النساء تهديدات مباشرة سواء من داخل الأسرة أو من المجتمع، ما يعقّد إمكانية الإبلاغ عن العنف والحصول على الحماية اللازمة.
مع تصاعد العنف المجتمعي والجريمة، تتركز الأولويات الأمنية والقانونية على القضايا العاجلة مثل جرائم القتل والعنف المسلح، مما يؤدي إلى تراجع الاهتمام بالعنف ضد النساء وبما فيها التحرشات والاعتداءات الجنسية . في أوقات الحروب والأزمات، تصبح الأولويات موجهة نحو البقاء والحماية وتوفير الاحتياجات الأساسية، مما يجعل قضايا العنف ضد النساء ليست من الأولويات لمكافحتها ، ويدفع العديد من المعتدى عليهن إلى التردد في الإبلاغ أو طلب المساعدة، لشعورهن بأن قضاياهن لن تحظى بالاهتمام الكافي.
تشير المعطيات إلى انخفاض مستمر في عدد التوجهات المرتبطة بالعنف خلال السنوات الثلاث الأخيرة. فقد تراجعت التوجهات المتعلقة بالعنف الجسدي والكلامي من 539 توجه في 2022 إلى 419 توجه في 2024، بنسبة انخفاض بلغت 22%، فيما انخفضت التوجهات المتعلقة بالعنف الجنسي من 782 توجه في 2022 إلى 608 توجهات في 2024، بنسبة 22.2%. يعكس هذا التراجع تحديات كبيرة في الإبلاغ، مما يستدعي تعزيز الجهود لضمان وصول المعتدى عليهن إلى الدعم والعدالة.
شهدت السنوات الثلاث الأخيرة انخفاضًا في عدد التوجهات المتعلقة بالعنف الجسدي والجنسي، إلا أن العنف الجنسي لا يزال يمثل تحديًا أكبر. يُنظر إلى العنف الجسدي على أنه أكثر وضوحًا من حيث آثاره الجسدية، مما قد يسهل على الضحية التعبير عنه أو الإبلاغ عنه، بينما في حالات الاعتداء الجنسي، يكون الضرر النفسي والعاطفي أكثر تعقيدًا، مما يجعل التعامل معه والإفصاح عنه أكثر صعوبة.
تشير المعطيات إلى أن 55% من التوجهات المسجلة تتعلق باعتداءات جنسية متنوعة، تشمل الاغتصاب، محاولات الاغتصاب، أعمال مشينة، ونشر صور أو اعتداءات عبر شبكات التواصل الاجتماعي، والتي تشكل 14% من هذه الجرائم. أما 45% من التوجهات فتتعلق بالتحرش الجنسي. الاعتداء الجنسي ليس انتهاك جسدي فحسب، بل يترك آثارًا نفسية عميقة، مثل الصدمة، القلق، الاكتئاب، وفقدان الشعور بالأمان، مما يؤثر على قدرة المعتدى عليهن على بناء علاقات صحية واتخاذ قرارات بثقة. من هنا، يبرز دور العلاج النفسي والدعم الاجتماعي في مساعدة المعتدى عليهن على استعادة السيطرة على حياتهن.
شهدت الجرائم في الفضاء الرقمي ارتفاعًا ملحوظًا مقارنة بالسنوات السابقة، حيث تمثل الاعتداءات عبر منصات التواصل الاجتماعي 14% من الحالات، وتشمل التهديد بنشر صور أو مقاطع مسيئة، والمضايقات المستمرة، مما يفاقم الضغط النفسي على المعتدى عليهن . لمواجهة هذه الظاهرة، هناك حاجة ملحّة لبرامج توعية، خصوصًا بين الشباب والمراهقين، لتعزيز الحماية من الابتزاز الإلكتروني والتعامل الآمن مع أدوات الأمان الرقمي.
تشير المعطيات إلى أن 67% من التوجهات المسجلة كانت لنساء وفتيات تتراوح أعمارهن بين 19-43 عامًا، مما يعكس قدرة هذه الفئة على اتخاذ قرارات مستقلة وطلب المساعدة من المؤسسات المتاحة، إدراكًا لحقهن في الحماية واستعادة السيطرة على حياتهن. في المقابل، شكلت الفتيات في الفئة العمرية 12-18 عامًا نسبة 31% من التوجهات، حيث يواجهن تحديات أكبر في الإبلاغ، بسبب قلة الوعي القانوني، والخوف من العواقب العائلية أو الاجتماعية، مما يؤكد الحاجة إلى تعزيز التوعية بحقوق الأطفال والمراهقين لحماية أجسادهم وضمان خصوصيتهم.
كما يظهر التقرير أن 9% من التوجهات تتعلق بجرائم اعتداء جنسي باستخدام سم الاغتصاب، وهي حالات يصعب إثباتها مع مرور الوقت، خاصة إذا كانت المعتدى عليها فاقدة للوعي أو غير قادرة على التذكر. تؤدي هذه المواد المخدرة إلى شلل جسدي مؤقت يمنع المعتدى عليها من الدفاع عن نفسها، مما يتركها في حالة من العجز والصدمة النفسية. نظرًا لصعوبة التبليغ والوصمة الاجتماعية المحيطة بهذه الجرائم، من الضروري التأكيد على أهمية التدخل الطبي السريع خلال 72 ساعة من الاعتداء، لضمان الرعاية الصحية العاجلة، والتوثيق القانوني، وتقديم العلاج الوقائي ضد الأمراض والحمل غير المرغوب فيه
تشير المعطيات إلى أن 67% من التوجهات تمت بمبادرة من المتضررات أنفسهن، مما يعكس وعيًا متزايدًا بأهمية الإبلاغ كخطوة أساسية في استعادة السيطرة على الحياة، وكسر حاجز الخوف والصمت. طلب المساعدة يتيح للضحايا الحصول على الدعم القانوني، الطبي، والنفسي، كما يسهم في حماية أخريات من التعرض للعنف. في المقابل، 26% من التوجهات وردت عبر الشرطة والنيابة العامة، كنتيجة لعمل متواصل منذ عام 2003 في مشروع مرافقة الضحايا بالإجراءات الجنائية، الذي يهدف إلى تسهيل المسار القضائي أمام النساء العربيات وتعزيز سبل حمايتهن.
يعد التعاون مع الجهات العلاجية والقضائية عاملاً أساسيًا في تمكين الضحايا من مواجهة آثار الاعتداء وتحقيق العدالة. لا يقتصر الدعم على الجانب القانوني فحسب، بل يشمل الإرشاد الاجتماعي والنفسي، لمساعدتهن على استعادة حياتهن الاجتماعية بشكل تدريجي. من هنا، تبرز *أهمية الورشات والمحاضرات التوعوية* التي تسعى إلى رفع الوعي المجتمعي حول الظاهرة، وتشجيع النساء على طلب الخدمات المتاحة لضمان الحماية والتعافي.
أظهرت البيانات أن 64% من التوجهات تم التبليغ عنها بعد مرور نصف سنة إلى سنتين من وقوع الاعتداء، في حين أن 28% تم الإبلاغ عنها خلال فترة تتراوح بين يوم ونصف سنة. وهذا يؤكد أهمية زيادة الوعي لتقليص الفجوة الزمنية بين وقوع الاعتداء والتبليغ عنه.
إن تعزيز الوعي حول أهمية الإبلاغ المبكر يمكن أن يساعد المزيد من المتضررات على كسر الصمت والمطالبة بحقوقهن، كما أن تأخير الإبلاغ قد يسمح للجناة بمواصلة اعتداءاتهم على أخريات دون محاسبة. لذلك، فإن التوجه السريع إلى الجهات المختصة لا يساهم فقط في وقف دائرة العنف، بل يضمن أيضًا حصول المتضررات على الحماية، العلاج، والعدالة.
التأخير في التبليغ قد يؤدي إلى ضياع الأدلة الطبية والقانونية، مما يجعل محاسبة الجاني أكثر تعقيدًا، فضلًا عن تفاقم التأثير النفسي على الضحية. لذلك، من الضروري فهم العوامل التي تمنع النساء من الإبلاغ الفوري والعمل على معالجتها، لضمان حصولهن على الدعم والعدالة في الوقت المناسب.
تشير الإحصائيات إلى أن 93% من الجرائم كان المعتدي فيها شخصًا معروفًا للضحية، سواء كان فردًا من العائلة، صديقًا، زميل عمل، معلمًا، أو شخصًا في موقع سلطة. هذه النسبة تسلط الضوء على حقيقة مقلقة: الخطر لا يأتي دائمًا من الغرباء، بل من الدائرة القريبة التي يُفترض أن تكون آمنة. هذا القرب يجعل الضحايا أكثر ترددًا في الإبلاغ، خوفًا من العواقب الاجتماعية أو العائلية، مما يعزز الصمت حول هذه الجرائم.
كما تبين أن 11% من المعتدين كانوا معلمين، مرشدين، أو معالجين، مما يكشف عن استغلال خطير للسلطة داخل المؤسسات التعليمية والصحية والدينية. بحكم مكانتهم وثقة المجتمع بهم، قد يصعب على الضحايا التحدث عن الاعتداء أو الحصول على الدعم اللازم، مما يدفع البعض إلى ترك الدراسة أو الامتناع عن تلقي العلاج. هذا يؤكد أهمية تعزيز آليات الحماية والمساءلة داخل هذه المؤسسات، وضمان بيئات آمنة خالية من الانتهاكات.
يُظهر الرسم البياني أن 74% من الجرائم وقعت في منازل المعتدى عليهن أو المعتدين، مما يعكس خطورة الاعتداءات داخل المحيط المفروض أن يكون آمن / أما في بيئة العمل، فقد وقعت 11% من الاعتداءات، مما يشير إلى استغلال المناصب والسلطة لفرض السيطرة والترهيب على الموظفات. في العديد من الحالات، يُستخدم النفوذ للضغط عليهن، سواء عبر التحرش، التهديد، أو الابتزاز الوظيفي، مما يجعل الإبلاغ عن الانتهاكات أكثر تعقيدًا خوفًا من فقدان العمل أو العواقب المهنية.
77% من المتوجهات لا يتوجهن للشرطة، مما يعكس ضعف الثقة بالمؤسسة الأمنية والخوف من عدم تحقيق العدالة. العديد من النساء يترددن بسبب نظرة المجتمع والضغوط العائلية التي تفرض عليهن الصمت حفاظًا على "السمعة"، إضافة إلى مخاوف من نقص الحماية أو التبعات الاقتصادية في حال كان المعتدي معيلًا لهن. حتى اللواتي تقدمن بشكاوى سابقًا، واجهن أحيانًا الإهمال أو اللوم، مما عزز التردد في اللجوء إلى الشرطة مجددًا.
23% فقط قدمن شكاوى رسمية، وهو مؤشر على شجاعة النساء اللواتي قررن كسر الصمت رغم صعوبة المسار القانوني. هنا نؤكد على أهمية المرافقة القانونية والدعم النفسي خلال المسار الجنائي، لضمان حصول الضحايا على الحماية والمساندة اللازمة في سعيهنّ لتحقيق العدالة.
خاتمة التقرير
تعكس هذه الإحصائيات واقعًا مؤلمًا يتطلب استجابة عاجلة وجهودًا مكثفة لحماية النساء المعتدى عليهن وضمان حقوقهن. ضعف الثقة بالشرطة، الخوف من الوصمة الاجتماعية، واستغلال السلطة في أماكن يُفترض أن تكون آمنة، كلها عوامل تعزز دائرة الصمت والعنف.
لذلك، من الضروري تكثيف حملات التوعية، تعزيز الدعم النفسي والقانوني، والعمل على إصلاح المنظومة القضائية لضمان استجابة أكثر حساسية لاحتياجات المتضررات. كما يجب الدفع باتجاه سياسات تحمي الضحايا من الانتقام وتوفر لهن الأمان بعد الإبلاغ.
إن كسر حاجز الصمت ليس مسؤولية المعتدى عليهن وحدهن وليس مسؤولية الجمعيات النسوية فقط ، إنما هي مسؤولية مجتمعية تتطلب تكاتف الأفراد، المؤسسات، وصنّاع القرار لخلق بيئة آمنة وعادلة تضمن لكل انسانة وأنسان الحق في العيش الكريم الآمن.
ونود شكر طاقم المتطوعات القديرات اللواتي يوصلن الليل بالنهار من اجل خدمه النساء بانسانيه, مهنيه,وعداله لزرع روح الأمان, احتوائهن ومساعدتهن للخروج من قوقعه الظلام .
نجن معك على طول الخط
بامكانك التوجه الينا على خط الطوارئ بسريه تامه لمده 24 ساعه
04-6566813
وأيضا خدمه الدعم عبر منصه الدردشه(تشات) wavochat ستكون متاحه من الاحد – الخميس من الساعه 20:00-23:00.